الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وقال تعالى حكاية عن عيسى عليه السلام: {من أنصاري إلى الله} [الصف: 14] ولا خلاف في جواز الاستعانة بالكفار في دفع الظلم والغرق والحرق إلا أن يوسف عليه السلام عوتب على قوله: {اذكرني عند ربك} لوجوه منها: أنه لم يقتد بالخليل جده حين وضع في المنجنيق فلقيه جبرائيل في الهواء وقال: هل من حاجة؟ فقال: أما إليك فلا مع أنه زعم أنه اتبع ملة آبائه. ومنها أنه قال: {ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء} وهذا يقتضي نفي الشرك على الإطلاق وتفويض الأمر بالكلية إلى الله سبحانه. فقوله: {اذكرني عند ربك} كالمناقض لهذا الكلام. ومنها أنه قال: {عند ربك} ومعاذ الله أنه زعم أنه الرب بمعنى الإله إلا أن إطلاق هذا اللفظ على الله لا يليق بمثله وإن كان رب الدار ورب الغلام متسعملًا في كلامهم. ومنها أنه لم يقرن بكلامه إن شاء الله، ولما دنا فرج يوسف أرى الله الملك في المنام سبع بقرات سمان خرجن من نهر يابس وسبع بقرات عجاف فابتلعت العجاف السمان، ورأى سبع سنبلات خضر قد انعقد حبها وسبعًا أخر يابسات قد استحصدت وأدركت فالتوت اليابسات على الخضر حتى غلبن عليها، فاضطرب الملك بسببه لأن فطرته قد شهدت بأن استيلاء الضعيف على القوي ينذر بنوع من أنواع الشر إلا أنه لم يعرف تفصيله، والشيء إذا علم من بعض الوجوه عظم الشوق إلى تكميل تلك المعرفة ولاسيما إذا كان صاحبه ذا قدرة وتمكين، فبهذا الطريق أمر الملك بجمع الكهنة والمعبرين وقال: {يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي} ثم إنه تعالى إذا أراد أمرًا هيأ أسبابه فأعجز الله أولئك الملأ عن جواب المسألة وعماه عليهم حتى: {قالوا} إنها: {أضغاث أحلام} ونفوا عن أنفسهم كونهم عالمين بتأويلها. واعلم أن الله سبحانه خلق جوهر النفس الناطقة بحيث يمكنها الصعود إلى عالم الأفلاك ومطالعة اللوح المحفوظ إلا أن المانع لها عن ذلك في اليقظة هو اشتغالها بتدبير البدن وبما يرد عليها من طريق الحواس، وفي وقت النوم تقل تلك الشواغل فتقوى النفس على تلك المطالعة، فإذا وقفت الروح على حالة من تلك الأحوال فإن بقيت في الخيال كما شوهدت لم يحتج إلى التأويل، وإن نزلت آثار مخصوصة مناسبة لذلك الإدراك الروحاني إل عالم الخيال فهناك يفتقر إلى المعبر. ثم منها ما هي منتسقة منتظمة يسهل على المعبر الانتقال من تلك المتخيلات إلى الحقائق الروحانيات، ومنها ما تكون مختلطة مضطربة لا يضبط تحليلها وتركيبها لتشويش وقع في ترتيبها وتأليفها فهي المسماة بالأضغاث. وبالحقيقة، الأضغاث ما يكون مبدؤها تشويش القوة المتخيلة لفساد وقع في القوى البدنية، أو لورود أمر غريب عليه من خارج، لكن القسم المذكور قد يعد من الأضغاث من حيث إنها أعيت المعبرين عن تأويلها.ولنشتغل بتفسير الألفاظ، أما الملك فريان بن الوليد ملك مصر، وقوله: {إني أرى} حكاية حال ماضية. وسمان جمع سمينة وسمين وسمينة يجمع على سمان كما يقال: رجال كرام ونسوة كرام قال النحويون: إذا وصف المميز فالأولى أن يوقع الوصف وصفًا للمميز كما في الآية دون العدد، لأنه ليس بمقصود بالذات فلهذا قيل سمان بالجر ليكون وصفًا لبقرات، ويحصل التمييز لسبع بنوع من البقرات وهي السماء منهن، ولو نصب جعل تمييز السبع بجنس البقرات أولًا ثم يعلم من الوصف أن المميز بالجنس موصوف بالسمن. والعجف هو الهزال الذل الذي ليس بعده هزال، والنعت أعجف وعجفاء وهما لا يجمعان على فعال ولكنه حمل على سمان لأنه نقيضه. وقوله سبع عجاف تقديره بقرات سبع عجاف فحذف للعلم به كما في قوله: {وأخر يابسات} التقدير وسبعًا أخر لانصباب المعنى إلى هذا العدد. وإنما لم يقال سبع عجاف على الإضافة لأن البيان لا يقع بالوصف وحده. وقولهم ثلاثة فرسان وخمسة أصحاب لأنه وصف جرى مجرى الاسم، ولا يجوز أن يكون قوله: {وأخر} مجرورًا عطفًا على: {سنبلات} لأن لفظ الأخر يأباه ويبطل مقابلة السبع بالسبع، وأراد بالملأ الأعيان من العلماء والحكماء، واللام في: {للرؤيا} للبيان كما قلنا في: {وكانوا فيه من الزاهدين} [يوسف: 20] أو لأن عمل العامل فيما تقدم عليه يضعف فيعضد باللام كما يعضد اسم الفاعل بها وإن تأخر معموله، أو لأن قوله: {للرؤيا} خبر كان كقوله هو لهذا الأمر أي متمكن من مستقل به و: {تعبرون} خبر آخر أو حال أو لتضمن: {تعبرون} معنى تنتدبون لعبارة الرؤيا والفصيح عبرت الرؤيا بالتخفيف، وقد يشدد واشتقاقه من العبر بالكسر فالسكون وهو جانب النهر فيقال: عبرت النهر إذا قطعته حتى تبلغ آخر عرضه، وعبرت الرؤيا إذا تأملت ناحيتها فانتقلت من أحد الطرفين إلى الآخر. والأضغاث جمع ضغث وهو الحزمة من أنواع النبت والحشيش مما طال ولم يقم على ساق، والإضافة بمعنى من أي أضغاث من أحلام والصيغة للجمع ولكن الواحد قد يوصف به كما قال: رمح أقصاد وبرمة أعشار. فالمراد هي حلم أضغاث أحلام.وقد يطلق الجمع ويراد به الواحد كقولهم فلان يركب الخيل ويلبس العمائم وإن لم يركب إلا فرسًا واحدًا ولم يلبس إلا عمامة واحدة. ويجوز أن يكون قد قص عليهم أحلامًا أخر. واللام في: {الأحلام} اما للعهد كأنهم أرادوا المنامات الباطلة، أو للجنس وأرادوا أنهم غير متبحرين في علم تأويل الرؤيا. ولما أعضل على الملأ تأويل رؤيا الملك تذكر الناجي يوسف وتأويله رؤياه ورؤيا صاحبه المصلوب، وتذكر قوله: {اذكرني عند ربك} وذلك قوله سبحانه: {واذكر} وأصله اذتكر قلبت التاء والذال كلاهما دالًا مهملة وأدغمت.{بعد أمة} أي بعد حين كأنها حصلت من اجتماع أيام كثيرة. وقرئ بكسر الهمزة وهي النعمة أي بعد ما أنعم عليه بالنجاة. وقرئ: {بعد أمه} بوزن عمه. ومعنى: {أنا أنبئكم بتأويله} أخبركم به عمن عنده علمه: {فأرسلون} إليه لأسلأله والخطاب للملك والجمع للتعظيم أو له وللملأ حوله. والمعنى مروني باستعباره. وعن ابن عباس: لم يكن السجن في المدينة. وههنا إضمار والمراد فأرسلوه إلى يوسف فأتاه فقال: {يوسف} أي يا يوسف: {أيها الصديق} البليغ الكامل في الصدق وصفه بهذه الصفة لأنه تعرف أحواله من قبل. وفيه أنه يجب على المتعلم تقديم ما يفيد المدح لمعلمه. وإنما أعاد عبارة الملك بعينها لأن التعبير يختلف باختلاف العبارات. وقوله: {لعلي أرجع} فيه نوع من حسن الأدب لأنه لم يقطع بأنه يعيش إلى أن يعود إليهم، وعلى تقدير أن يعيش فربما عرض له ما يمنعه عن الوصول إليهم من الموانع التي لا تحصى كثرة. وكذا في قوله: {لعلهم يعلمون} فضلك ومكانك من العلم فيخلصوك أو يعلمون فتواك فيكون فيه نوع شك لأنه رأى عجز سائر المعبرين وقيل: كرر لعل مراعاة لفواصل الآي وإلا كان مقتضى النسق لعلي أرجع إلى الناس فيعلموا، ومثله في هذه السورة: {لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم لعلهم يرجعون} [يوسف: 62].{قال} يوسف في جواب الفتوى: {تزرعون سبع سنين} وهو خبر في معنى الأمر يفيد المبالغة في إيجاب أيجاد المأمور به. قال في الكشاف: والدليل على كونه في معنى الأمر قوله: {فذروه في سنبله} وأقول: يمكن أن يكون قوله: {تزرعون} إخبارًا عما سيوجد منهم في زمن الغيث والمطر، لأن الزرع يلزم بنزول الأمطار عادة، وقوله: {فما حصدتم} إرشاد لهم إلى الأصلح لهم في ذلك الوقت. و: {دأبًا} بتسكين الهمزة وتحريكها مصدر دأب في العمل إذا استمر عليه. وانتصابه على الحال أي تزرعون ذوي دأب، أو على المصدر والعامل فعله أي تدأبون دأبًا. وإنما أمرهم بأن يتركوه في السنابل إلا القدر الذي يأكلونه في الحال لئلا يقع فيه السوس: {ثم يأتي من بعد ذلك} فيه دليل على أن: {تزرعون} إخبار لا أمر: {سبع} سنين: {شداد} على الناس: {يأكلن ما قدمتم لهن} من الإسناد المجازي لأن الآكلين أهل تلك السنين لا السنون: {إلا قليلًا مما تحصنون} تحرزون وتخبؤن. والإحصان جعل الشيء في الحصن كالإحراز جعل الشيء في الحرز أخبر أنه يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس من الغوث، أو من الغيث يقال: غيثت البلاد إذا مطرت: {وفيه يعصرون} العنب والزيتون والسمسم. وقيل: يحلبون الضروع، تأويل البقرات السمان والسنبلات الخضر بسنين مخاصيب والعجاف واليابسات بالسنين. ثم بشرهم بالبركة في العام الثامن.فقال المفسرون: إنه قد عرف ذلك بالوحي. عن قتادة: زاده الله علم سنة. وقيل: عرف استدلالًا فليس بعد انتهاء الجدب، إلا الخصب. والجواب أنه لا يلزم من انتهاء الجدب الخصب والخير الكثير فقد يكون توسط الحال. وأيضًا في قوله: {وفيه يعصرون} نوع تفصيل لا يعرف إلا بالوحي. ولما رجع الشرابي إلى الملك وعرض عليه التعبير استحسنه وقال: {ائتوني به} فجعل الله سبحانه علمه مبدأ لخلاصه من المحنة الدنيوية فيعلم منه أن العلم سبب للخلاص في المحن الأخروية أيضًا. {فلما جاءه الرسول} وهو الشرابي فقال: أجب الملك: {قال} يوسف: {ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن} ما شأنهن وما حالهن: {إن ربي} أي الله العالم بخفيات الأمور أو العزيز الذي رباه: {بكيدهن عليم} وعلى الأول أراد إنه كيد عظيم لا يعلمه إلا الله لعبد غوره، أو استشهد بعلم الله على أنهن كذبة، أو أراد الوعيد أي هو عليم بكيدهن فيجازيهن عليه. وكيدهن ترغيبهن إياه في مواقعة سيدته أو تقبيح صورته عند العزيز حتى يرضى بسجنه. ومن لطائف الآية أنه أراد فسأل الملك أن يسأل ما بالهن إلا أنه راعى الأدب فاقتصر على سؤال الملك عن كيفية الواقعة فإن ذلك مما يهيجه على البحث والتفتيش. ومنها أنه لم يذكر سيدته بسوء بل ذكر النسوة على التعميم ومع ذلك راعى جانبهن أيضًا فوصفهن بتقطيع الأيدي فقط لا بالترغيب في الخيانة. عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لقد عجبت من يوسف وكرمه وصبره والله يغفر له حين سئل عن البقرات العجاف والسمان ولو كنت مكانه ما أخبرتهم حتى أشترط أن يخرجوني. ولقد عجبت منه حين أتاه الرسول فقال ارجع إلى ربك ولو كنت مكانه ولبثت في السجن ما لبث لأسرعت الإجابة وبادرتهم الباب ولما ابتغيت العذر إن كان لحليمًا ذا أناة» قال العلماء: الذي عمله يوسف هو اللائق بالحزم والعقل، لأنه لو خرج في الحال فربما بقي في قلب الملك من تلك التهمة أثر، ولعل الحساد يتسلقون بذلك إلى تقبيح أمره عنده، وفي هذا التأني والتثبت تلاف لما صدر منه في قوله للشرابي: {اذكرني عند ربك}. {قال} الملك بعد إحضار النسوة: {ما خطبكن} ما شأنكن العظيم: {إذ راودتن يوسف} هل وجدتن منه ميلًا إليكن أو إلى زليخا؟ قيل: الخطاب لزليخا والجمع للتعظيم. وقيل: خاطبهن جميعًا لأن كل واحدة منهن راودت يوسف لنفسها أو لأجل امرأة العزيز. {قلن حاش لله} تعجبًا من عفته ونزاهته: {قالت امرأت العزيز} حين عرفت أن لابد من الاعتراف: {الآن حصحص الحق} وضح وانكشف وتمكن في القلوب من قولهم حصحص البعير إذا ألقى ثفناته للإناخة والاستقرار على الأرض. وقال الزجاج: اشتقاقه من الحصة أي بانت حصة الحق من حصة الباطل.أما قوله سبحانه: {ذلك ليعلم} إلى تمام الآيتين ففيه قولان: الأول- وعليه الأكثرون- أنه حكاية قول يوسف. قال الفراء: ولا يبعد وصل كلام إنسان بكلام إنسان آخر إذا دلت القرينة الصارفة لكل منهما إلى ما يليق به. والإشارة إلى الحداثة الحاضرة بقوله: {ذلك} لأجل التعظيم والمراد ما ذكر من رد الرسول والتثبت وإظهار البراءة. وعن ابن عباس: أنه لما دخل على الملك قال ذلك، والأظهر أنه قال ذلك في السجن عند عود الرسول إليه. ومحل: {بالغيب} نصب على الحال من الفاعل أي وأنا غائب عنه، أو من المفعول أي وهو غائب عني، أو على الظرف أي بمكان الغيب وهو الاستتار وراء الأبواب المغلقة. وقيل: هذه الخيانة قد وقعت في حق العزيز فكيف قال ذلك ليعلم الملك؟ وأجيب بأنه إذا خان وزيره فقد خان الملك من بعض الوجوه، أو أراد ليعلم الله لأن المعصية خيانة، أو المراد ليعلم الملك أني لم أخن العزيز، أو ليعلم العزيز أني لم أخنه وليعلم أن الله لا يهدي كيد الخائنين لا ينفذه ولا يسدده، وفي تعريض بامرأته الخائنة وبالعزيز حين ساعدها بعد ظهور الآيات على حبسه فكأنه خان حكم لله، وفيه تأكيد لأمانته وأنه لو كان خائنًا لم يهد الله كيده. ولا يخفى أن هذه الكلمات من يوسف مع الشهادة الجازمة والاعتراف الصريح من المرأة دليل على نزاهة يوسف عليه السلام من كل سوء. قال أهل التحقيق: إنه لما راعى حرمة سيدته في قوله: {ما بال النسوة اللاتي} دون أن يقول ما بال زليخا أرادت أن تكافئه على هذا الفعل الحسن فلا جرم أزالت الغطاء واعترفت بأن الذنب كله منها، فنظيره ما يحكى أن امرأة جاءت بزوجها إلى القاضي وادعت عليه المهر فأمر القاضي بأن يكشف عن وجهها حتى يتمكن الشهود من أداء الشهادة. فقال الزوج: لا حاجة إلى ذلك فإني مقر بصدقها في دعواها. فقالت المرأة: لما أكرمني إلى هذا الحد فاشهدوا أني أبرأت ذمته من كل حق لي عليه. ولما كان قول يوسف عليه السلام ذلك ليعلم جاريًا مجرى تزكية النفس على الإطلاق أو في هذه الواقعة وقد قال تعالى: {فلا تزكوا أنفسكم} [النجم: 32] أتبع ذلك قوله: {وما أبرئ نفسي إن النفس} أي هذا الجنس: {لأمارة بالسوء} ميالة إلى القبائح راغبة في المعاصي. وفيه أن ترك تلك الخيانة ما كان حظ النفس وشربها ولكن كان بتوفيق الله تعالى وتسهيله وصرفه: {إلا ما رحم ربي} إلا البعض الذي رحمه ربي بالعصمة كالملائكة، أو المراد أنها أمارة بالسوء في كل وقت وأوان إلا وقت رحمة ربي، أو الاستثناء منقطع أي ولكن رحمة ربي هي التي تصرف الإساءة: القول الثاني أنه حكاية قول المرأة لأن يوسف عليه السلام ما كان حاضرًا في ذلك المجلس والمعنى، وإن كنت أحلت عليه الذنب عند حضوره ولكني ما أحلته عليه في غيبته حين كان في السجن: {وأن الله لا يهدي} فيه تعريض فأنها لما أقدمت على المكر فلا جرم افتضحت، وأنه لما كان بريئًا من الذنب لا جرم طهره الله منه: {وما أبرئ نفسي} من الخيانة مطلقًا فإني قد خنته حين قلت: {ما جزاء من أراد بأهلك سوءًا} أو حين أودعته السجن.ثم إنها اعتذرت عما كان منها فقالت: {إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي} كنفس يوسف: {إن ربي غفور رحيم} أو استغفرت ربها واسترحمته مما ارتكبت. قال المحققون. النفس الإنسانية شيء واحد فإذا مالت إلى العالم العلوي كانت مطمئنة، وإذا مالت إلى العالم السفلي وإلى الشهوة والغضب سميت أمارة وهذا في أغلب أحوالها لإلفها إلى العالم الحسي وقرارها فيه فلا جرم إذا خليت وطباعها انجذبت إلى هذه الحالة فلهذا قيل: إنها من حيث هي أمارة بالسوء. وإذا كانت منجذبة مرة إلى العالم العلوي ومرة إلى العالم السفلي سميت لوامة. ومنهم من زعم أن النفس المطمئنة هي الناطقة العلوية، والنفس الأمارة منطبعة في البدن تحمله على الشهوة والغضب وسائر الأخلاق الرذيلة. وتمسكت الأشاعرة بقوله: {إلا ما رحم} ظاهرًا لأنه دل على أن صرف النفس عن السوء بخلق الله وتكوينه. وحملته المعتزلة على منح الألطاف والله أعلم بالحقائق. اهـ.
.قال الخطيب الشربيني في الآيات السابقة: {وقال نسوة}أي: وقال جماعة من النساء وكنّ خمسًا: امرأة الساقي، وامرأة الخباز، وامرأة صاحب الدواب، وامرأة صاحب السجن، وامرأة الحاجب، والنسوة اسم مفرد لجمع المرأة وتأنيثه غير حقيقي، ولذلك لم يلحق فعله تاء التأنيث وقوله: {في المدينة}، أي: مدينة مصر ظرف، أي: أشعن الحكاية في مصر أو صفة نسوة، وقيل: مدينة عين شمس. {امرأت العزيز} وإنما أضفنها إلى زوجها إرادة لإشاعة الخبر، لأنّ النفس إلى سماع أخبار أولي الأخطار أميل ويردن قطفير والعزيز الملك بلسان العرب ورسم امرأة بالتاء المجرورة ووقف عليها ابن كثير وأبو عمرو والكسائي بالهاء والباقون بالتاء، وأما الوصل فهو بالتاء للجميع: {تراود فتاها}، أي: عبدها الكنعاني، يقال: فتاي وفتاتي، أي: عبدي وجاريتي: {عن نفسه}، أي: تطلب منه الفاحشة وهو يمتنع منها: {قد شغفها حبًا}، أي: شق شغاف قلبها وهو حجابه حتى وصل إلى فؤادها، وحبًا نصب على التمييز، وقيل: جلدة رقيقة يقال لها: لسان القلب قال النابغة:وقرأ نافع وابن كثير وابن ذكوان وعاصم بإظهار دال قد عند الشين، والباقون بالإدغام: {إنا لنراها}، أي: نعلم أمرها علمًا هو كالرؤية: {في ضلال}، أي: خطأ: {مبين}، أي: بين ظاهر حيث تركت ما يجب على أمثالها من العفاف والستر بسبب حبها إياه.
|